هل الترجمة موهبة أم ممارسة
لاشك أن الموهبة تلعب دورًا كبيرًا في حياة الفنان بوجهٍ خاصٍ والإنسان بوجهٍ عامٍ. ونسمع دائمًا عبارة "اكتشاف الموهبة" وهذا دليل على أن الحدس والصدفة قد تلعب دورًا في اكتشافها أو عدم اكتشافها، أو ربما تعرض الموهوب للمجال الذي تكون فيه موهبته فيظهر التأثير ويحدث النبوغ والتميز عند الممارسة.
وعند إسقاط هذا السؤال على مهنة الترجمة، وبرغم اختلاف وجهات النظر تجاه هذا الموضوع وحيث يميل الكثيرون إلى أن الترجمة تجمع بين العلم (التعلم) والممارسة والموهبة، نرى بأن الموهبة المجردة ربما هي مرادف مقدم على شيء أكثرَ واقعيةٍ وهو الاطلاع والثقافة العامة.
فدور التعلم النظري محدود في إنتاج مترجمٍ محترفٍ، ويأتي دور الممارسة ليصقل المهارات ويسد الفجوات خاصةً في ظل التعليم النظري البحت الذي يغلب على مؤسسات تعليم مهنة الترجمة، ثم بعد ذلك يكون المجال أمام الإبداع من انتقاء المفردات والمرادفات واستخدام المحسنات البديعية والصور الجمالية (حسب سياق النص)، أو حتى مجرد اختيار الألفاظ المناسبة لمختلف السياقات التي تخدم المجال الذي تتم الترجمة فيه. ويمكن الحكم على الموضوع بتجربةٍ بسيطةٍ أن نأتي بشخص يقول بأنه موهوب في الترجمة ومترجم عادي تخرج من كليةٍ تُدرس الترجمة وعمل في المجال في شركة ترجمةٍ جيدةٍ المستوى، ويقوم كلاهما بترجمة نفس النص ونترك الحكم للمستخدم العادي. فلو أجاد الأول في جانب أو اثنين، فإن الأخير سوف يُجيد في جوانب أكثر بكثير عند الحكم على النص المنقول إليه بنظرة فنية ناقدة.
ونخلص من ذلك إلى أن الموهبة في الترجمة يمكن بناؤها، فهي لا تسبق التعليم والممارسة مثلما هو الحال في باقي المجالات، وإنما تلحقها ويمكن زيادتها وتحسينها من خلال توسيع نطاق الاطلاع والتثقيف والقراءة في مختلف المجالات، ومتابعة المؤلفين الذي يتمتعون بأسلوب ممتع وشيق في كتاباتهم حيث إن القراءة هي الباب السحري للتميز في الحياة عمومًا وفي مجال الترجمة على وجهِ الخصوص.