الترجمة من السيء إلى الأسوأ
الترجمة قديمًا
وإن للترجمة دورٌ بارزٌ على مر العصور في نقل المعرفة والعلوم والفنون والثقافة. وليس المقصود هنا قصر الثقافة على الأعمال المترجمة سواءً إلى العربية أو منها إلى اللغات الأخرى الأجنبية. لكن كما كانت بداية النهضة الحقيقية للعرب مع ازدهار حركة الترجمة بداية من زيد بن ثابت
(1) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم منارة الحضارة والفكر في بغداد ونظريات الجاحظ (2) التي لازالت مرجعا لدراسات الترجمة حتى الآن وإلى عصر النهضة الحديث وبعثات محمد علي إلى أوروبا بعد الحملة الفرنسية. فالاهتمام بالترجمة وإيلائها الاهتمام الذي تستحق مدخل إلى الاهتمام بالثقافة والتراث والفنون والقراءة بمفهومها الواسع.
واقع أليم
في مقال للسيدة/ أماني أبو رحمة – مترجمة وأديبة فلسطينية، سردت باختصار أهم المشكلات والمعوقات التي تقف عائق أمام ازهار حركة الترجمة الحديثة والاهتمام بها والتركيز على تطويرها وكذلك واقعها الحالي فكان من بين الأسباب:
1- أن الترجمة تمثل وجهًا خاصًا من أوجه التردي الثقافي والاجتماعي والسياسي العربي. فمن انحطاط الثقافة المنتجة إلى تخلف العلوم والاختراعات، إلى ضعف الحجة النظرية وعدم المشاركة الفاعلة في الصياغة العالمية للمرحلة المقبلة، إلى الفقر والبطالة والحروب. كل ذلك يؤدي إلى حقيقة أنْ ليس لدينا ما نعرضه على الآخرين (هناك استثناءات لا ترقى لأن تكون حالةً عامةً يُعول عليها).
2- ضعف التعليم الأكاديمي، وبالتالي النقص الهائل في مهارات الترجمة الفردية، وتراجع دور الجامعات الريادي في البحث والترجمة وتخريج مهنيين قادرين على خوض غِمار حقلٍ شائكٍ كالترجمة؛ فالأمر لا يتعلق بإجادة اللغتين فحسب، وإنما بالوعي بالدور الذي يقوم به ورؤية حضاريه منفتحة على ثقافته والثقافات الأخرى.
3- الترجمة جهدٌ منهك يستهلك من وقت المترجم وجهده الكثير، وفي المقابل، فإن دور النشر أو قل أغلبها تستغل المترجم، فهي تعلم أن سوق الترجمة هو الأنجع في ظل ضعف النتاج الفكري والثقافي والأدبي العربي، ولكنها تحجم عن تعويض المترجم مادياً بما يكافئ جهده ويتناسب مع مكاسبها.
4- أدى انتشار ثقافة البوب أو الثقافة الدنيا في عقود ما بعد الحداثة، إلى الاستسهال في توظيف اللغات، وفي القراءة والكتابة أيضًا؛ فجمهور الشباب في العالم كله (مع فروق من بلدٍ الى آخر) لا يهتم إلا بالثقافة السريعة الاستهلاكية التي تمنحها له الحضارة الرقمية التي غزت كل ثقافة. هذ الشخص لن يقرأ روائع الثقافة ولا جواهرها المكنونة إلا في ما ندر. يقودنا ذلك إلى البحث عن وسائل جديدة لتقديم المادة المترجمة بتوظيف أدوات الحضارة الرقمية التي تلائم الأجيال المعاصرة، وتطوير نظريات لغوية تنطلق من حقيقة أن اللغة تتطور في كل عصر عن سالفه، وأن تطورها لا يعني أبدًا الإطاحة أو المسّ بالحضارة التي تمثلها. وربما أن اللغة العربية هي المقصودة دون غيرها في هذا السياق.(3)
الحاجة إلى التغيير
مصطلح اعتادت الآذان سماعَه كثيرًا مؤخرًا دون تطبيقٍ فعليٍّ. وبالتطبيق على واقع الترجمة، فالحاجة ماسّة إلى الاهتمام بالثقافة في العموم والتي تكون دافع لطلب المزيد والمزيد بما يُحتّم النقل من الآخرين وبالتبعية زيادة حركة الترجمة لزيادة الأفق الثقافي العام بمفهومه الواسع. وإذا كنا بصدد الحديث عن تأهيل المترجم، فلاشك أن من أولى الأولويات الاهتمام بالتعليم والتأسيس اللغوي والتركيز على التطبيق العملي لنظريات الترجمة وربطها بواقع العمل الفعلي وكذلك تناول الجوانب الأخرى بخلاف الترجمات الأدبية والتي تشمل الترجمات التجارية والقانونية والترجمات الخاصة بالأعمال والتي لا مناص منها في سوق العمل الحديث حتى يكون المترجم مؤهلًا لتقديم خدمات مهنية في المجال الذي يعمل فيه.
والحقيقة أن هذا الاهتمام ينصب في المقام الأول ويقوم على مؤسسات الدولة المنوط بها تطوير التعليم ورفع المستوى العلمي في التعامل مع متطلبات واقع العصر الحديثة التعليمية، لكن لا يزال المجال مفتوحا للمنظمات والمؤسسات الحكومية والخاصة لصنع الفارق وبتكاتف الجميع، لا شك أن التغيير سيتحقق لا محالة.
المراجع والمصادر:
(1) زيد بن ثابت
(2) الجاحظ
(3) حركة الترجمة في العالم العربي