هل من الممكن الاستغناء عن المترجم البشري؟
لا ينكر أحدٌ الدور الهام الذي تقوم به الحواسيب في حياتنا، فهي أهم ركائز عصرنا الحديث، حيث تنجز لنا الأعمال وتيسرها لنا بشكل غير مسبوق، وكذلك في مجال الترجمة، لا يستطيع أحد أن يجحد دور الأدوات الحديثة وتقنيات الترجمة بمساعدة الحاسوب مثل (CAT Tools)، بل ويجب على المترجم المحترف الاستعانة بتقنيات الترجمة الحديثة، لأنها تضاعف من إنتاجيته، وتيسر له أمر الترجمة، وتوفر له ذاكرة ترجميةً جيدةً.
معلوم أن ترجمة "جوجل" وغيرها من برامج الترجمة الآلية مثل "Word Reference" آخذةٌ في التطور والنمو يومًا بعد يوم، إلا أن السؤال الذي نطرحه في هذه المقالة وهو: هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي نستغني فيه عن المترجم البشري، في ظل تطور وسائل وأدوات الترجمة الآلية؟
والإجابة بالقطع “لا"، فهناك العديد من الأسباب تدفعك إلى التعامل مع المترجم البشري المتخصص، دون غيره مهما تطورت التقنيات الحديثة، ومن هذه الأسباب ما يلي:
لا يمكن الاعتماد على الترجمات الحرفية:
الترجمة لا تعني نقل النص بحذافيره وبمعانيه المتواجدة في المسارد والقواميس اللغوية كما هي دون معنى الجملة المتكامل، وهو الأمر الذي لا تفهمه الآلات إلى الآن، فعلى سبيل المثال: لو نظرنا في اللغة الإنجليزية لو جدنا أن الفعل "run" له عدة معانٍ تختلف كلها باختلاف سياق الجملة، فهو يحمل معنى الجري والركض، أو الإدارة والتشغيل، أو النفاد والانتهاء، أو الامتزاج وغيرها من المعاني، فترجمة هذه الكلمة مجردةً لوحدها، سيعطينا عشرات الاحتمالات من المعاني، وهذا ما يفسر حاجتنا إلى المترجم البشري المتخصص الذي يفهم سياق الجملة وينقل معناها بأسلوبٍ عربي بليغ.
هذا مثالٌ واحدٌ من آلاف الأمثلة المشابهة، وكذا الحال في اللغة العربية، فالآلة لا تفهم الحركات ولا تستطيعها، فتلك معضلةٌ كبيرةٌ تواجه الترجمة الآلية، فحركةٌ واحدةٌ كالرفع أو النصب تغير معنى الجملة بكاملها، وتنقلها من معنى إلى آخر.
الآلات لا تفهم الثقافات:
هل سألت نفسك يومًا، ما الذي يدفع الصين، تلك البلد غير المسلم، إلى أن تُصدر لنا نحن المسلمون فوانيس رمضان وسجادات الصلاة وغيرها من الأدوات الإسلامية؟ إنها ثقافة الشعوب، فهي تفهم جيدًا ما يحتاجه المجتمع في وقتٍ من الأوقات، فقامت باستغلال فهم تلك الثقافة، لتحقيق أكبر مكسبٍ مادي ممكن.
كذلك الحال في مجال الترجمة أيضًا، فالترجمة وسيلةٌ للتواصل بين الشعوب، فمخاطبة الناس يجب ألا تكون فقط بلغتهم، بل وبثقافاتهم أيضًا، فهناك أشياءٌ قد تكون مقبولةً لديك وهي محظورةٌ ثقافيًا في بلدٍ من البلدان، ويجب على المترجم أن يتوخى الحذر حيالها، وهذا ما لا تدركه الآلة ولا تستطيعه، بل ربما تعرضك الآلة في كثير من الأحيان إلى خسائر فادحة.
التسويق ومخاطبة العملاء المحليين:
في سوق تزداد عولمته بشكل متسارعٍ أصبح من الضروري التحدث إلى العملاء دوليًا على المستوى المحلي، وأصبحت الحاجة إلى توطين المنتجات والخدمات والتسويق أمرًا حيويًا. وأصبح يتعين الآن على الشركات تجاوز الترجمات المجردة عبر المواقع والبرمجيات، إلى صياغة رسالة تجذب عملاءهم الدوليين، بقدر ما تجذب أولئك الموجودين على أرض الوطن.
التطلع إلى سوقٍ جديدٍ في المجال التجاري، دون فهم الثقافة وإضفاء الصبغة المحلية إلى رسالتك، من خلال المنتجات التي تصدرها إلى بلد ما، فكرةٌ سيئةٌ، فالآلات لا تفهم التسويق ولا تفهم ثقافة الشعوب، ولا تعي كيف تخاطب العملاء.
تجنب الخسائر المادية:
يعتقد البعض أن إسناد الترجمات إلى مترجم بشري، قد يبدوا أمرًا مكلفًا، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فتكلفة حملةٍ تسويقيةٍ لشركةٍ كبيرةٍ تم توسيمها بصورة خاطئة، أو فقدان عميل المليون دولار بسبب بريد إلكتروني خاطئ أو مهين عن غير قصد بسبب الترجمة الآلية، تجعلك تتراجع كليًا وتسند الأمر إلى المترجم البشري الذي من المؤكد أنه سيجنبك كل هذه الخسائر.
فالمترجم البشري يمكنه استعمال حدسه بشكل أفضل لتفادي المزيد من الأخطاء الإملائية أو المصطلحات المتكررة أو فهم الخطاب بشكل خاطئ، وحتى إذا استعصى على المترجم البشري فهم جزئيةٍ معينةٍ، فإنه سيحمل هاتفه ويتواصل معك لفهمها، فلن تحصل أبدًا على ترجمةٍ خاطئةٍ أو غير كاملةٍ من مترجم بشري متخصص.
وأخيرًا، يمكن للبشر أن يتخصصوا في مجالك وينجزوا لك الأعمال بشكل مضاعف عن الآلات وبجودة ودقة متناهية، وإذا لم تكف تلك الأسباب لإقناعك في التعامل مع المترجم البشري، سأعطيك سببا أخيرًا: نحن نحتاج إلى مترجمين بشريين لأننا نعيش في عالم بشري، ونتعايش مع بشر، ونبيع لبشر، ونشتري من البشر، ونقيم علاقات مع بشر.. فلماذا إذن نستخدم آلةً عندما نريد التحدث إلى البشر؟